لعدل هو تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب. اختلفت الفرق الإسلامية في هذا الأصل؛ فقد قال به "العدلية" _ ومنهم الإمامية_ بناءاً على قولهم بالحسن والقبح العقليين، ولم يقل به الأشاعرة بناءاً على قولهم بالحسن والقبح الشرعيين. وخصّت الشيعة الإمامية العدالة كأصل من أصول المذهب.
يُعدُ البحث في مسألة العدل الإلهي من أقدم المسائل التي فكّر فيها الإنسان وتحدث بها منذ العصور القديمة منذ أن بدأ بالبحث عن الخالق.
ومن خلال الآيات القرآنية الشريفة المتعلقة بالعدل يتجلى للعدل الإلهي ثلاثة مظاهر، وهي: العدل التكويني، والعدل التشريعي، والعدل الجزائي.
يرجع البحث في مسائل العدل الإلهي إلى العصور القديمة، منذ أن بدأ الإنسان بالبحث عن الله ، والسؤال عن صفاته وكيفيّة إدارته وتدبيره للعالم، فعندما رأى الإنسان ما يحدث في العالم من شرور، دارت في ذهنه أسئلة كثيرة حول تفسير هذه الحوادث، وأسبابها ومدى صحة نسبتها إلى الله، وإذا كان الله هو المسبب لهذه الحوادث، فهل هذا يتعارض هذا مع عدله، ويتنافى مع اختيار الإنسان؟
والمصادر التاريخية تُشير إلى أن أقدم نصّ دينيّ أشار إلى مسألة العدل - في إطار الجبر والاختيار ومسألة الشرور – هو ما ورد في كتاب (الريج ويدا – سمهتا)،[3] واستمر البحث في مسألة العدل الإلهي في الحضارات اللاحقة كالفكر اليوناني، إلى أن وصل البحث إلى الفكر الإسلامي .[4]
اتفق المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم على أن الله سبحانه عادل لا يجور، غير أنهم يختلفون في تحديد معنى العدل، نتيجة اختلافهم حول الحسن والقبح العقليَّين والشرعيَّين
فالإمامية والمعتزلة أجمعت على أن العدل له مفهوم واحد اتفق عليه قاطبة العقلاء، يمكن لهم ادراكه وتحديده. وأما الأشاعرة فهم وإن وصفوا الله سبحانه بالعدل، لكنهم لا يحددون العدل، بمفهوم واضح، بل يوكلون ذلك إلى فعل الله سبحانه، وأن كل ما صدر منه فهو عدل، وكل ما نهى عنه فهو ظلم.[5]
من خلال تلاوة الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بمبحث العدل، يتجلى للعدل الإلهي ثلاثة مظاهر وأقسام، وهي:
ويُسمّى العدل في الخلق وتدبير العالم، ومعناه: أنّ الله سبحانه وتعالى خلق جميع الكائنات وأعطاها كل ما هي مستعدّة له، وجعلها بشكل يتناسب مع الهدف الذي خلقها من أجله، وهيأ لها جميع الظروف والوسائل التي تحتاجها في حياتها.[6]
وقد دلت عليه جملة من الآيات القرانية الكريمة مثل:
وهو أن الله تعالى لا يُهمل تكليفاً فيه كمال الإنسان وسعادته، وبه قوام حياته المادّية والمعنوية والدنيوية والأخرويّة، كما أنه لا يُكلف نفساً فوق طاقتها، وقد أشار الله إلى هذا النوع من العدل في جملة من آياته، كما في:
أي أنّ الله لا يساوي بين المؤمن والكافر في مقام الجزاء، بل يجزي كل إنسان بها كسب، فيجزي المحسن بالإحسان والثواب، والمسيء بالعقاب، كما أنه تعالى لا يعاقب عبداً على مخالفة التكاليف إلا بعد الإبلاغ، وقد أشار الباري سبحانه إلى هذا النوع من العادل في آيات كثيرة، منها:
عندما تنتفي أسباب الظلم عن الله تعالى؛ تثبت عدالته بكافة أقسامها, فأسباب الظلم يُمكن أن تكون إحدى الحالات التالية:
وكل هذه الاسباب ناتجة عن حالة واحدة وهي "الشعور بالنقص والفراغ"، ونظراً لإثبات عدم وجود النقص في الذات الإلهية بالأدلة العقليّة، تثبت بالتالي العدالة الإلهيّة. [18]
مشكلة الشر هي مسألة وقعت نتيحة ملاجظة وجود الشر من جهة، ووجود إله كليّ القدرة والخير والعلم. فبما أنّ الله عادل ولايفعل القبيح ولا يترك الحسن، لماذا نرى الكثير من الشرور کالزلازل والأوجاع والموت ونحوها، والاختلافات بين الناس كالسواد والبياض والبلادة والذكاء؟
جوابه: أجيب عن السؤال المذكور بجوابين:
أن نحكم بأن هذه الأمور لاتخلو من الحكمة والمصلحة، وإلا لم تصدر من الحكيم المتعال، وكل ما فعله الله وصدر منه يبتني على الحكمة والصلاح؛ فإنما وجود الشر القليل بتبعه الخير الكثير".[19]
يوجد عدة أجوبة تفصيلية، ومنها:
1. إنَّ الشرور لا تطلق حقيقة إلا على الأمور المعدومة، كموت زيد بعد وجوده، أو عدم الشجرة بعد وجودها، أو على عدم كمال الوجود ممن له شأنية ذلك الكمال، كعدم الثمر من الشجر القابل له.[20]
2.إنَّ للشرور منافع وفوائد كثيرة مهمة فقد حُكي عن أرسطو أن كثيراً من الشرور مقدمة لحصول الخيرات والكمالات الجديدة، فبإحساس الألم يندفع المتألم إلى علاج الأمراض على سبيل المثال. كما أن البلايا والآفات والعاهات، كثيراً ما تصلح لإعداد الكمالات المعنوية كالتوجه إلى الله، بحيث لو لم تكن تلك الأمور موجودة لما أمكن الوصول إلى هذه الكمالات المعنوية. [21]
3.أن الاختلافات من جهة الأنواع والأوصاف كالسواد والبياض أو البلادة والذكاء، لا تنافي العدل؛ لأن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، ولا حق للشيء قبل خلقته، إذ كل ما أعطاه الله تعالى للأشياء، هو فضل لا حقّ، والاختلاف فيه لا يكون ظلماً.[22]
4.أن علة النقص قد تكون من جهة تزاحم الأسباب في عالم المادة لأن بعض الشرور هي من لوازم العالم المادي الدنيوي.[23]