جعفر بن محمد الصادق، هو الإمام السادس للشيعة الإثنا عشرية، وكانت فترة إمامته 34 عاماً، ولد في المدينة المنورة، واستشهد فيها وكان عمره يوم شهادته (65 أو 68) عاماً، ودُفِنَ في البقيع إلى جانب أبيه الإمام الباقر، وجدّه الإمام السجاد، والإمام الحسن
لقد وفّرت فترة الانفتاح -التي حدثت ما بين نهاية الدولة الامويّة وبداية الدولة العباسيّة- في زمن إمامته حرية الحركة لنشر معالم الدين، فذُكر أنه بلغ عدد تلامذته و من روى عنه 4000 شخصاً كما أخذت رواياته في المجالات المختلفة حيّزاً كبيراً من روايات أئمة أهل البيت (ع)، فلذلك نُسب المذهب الشيعي إليه وسُمّي بـ(المذهب الجعفري). ويحظى شخصه بمكانة مميّزة من العلم عند أئمة مذاهب أهل السنة، كما روى عنه مالك بن أنس وعدّه أبو حنيفة أعلم أهل زمانه.
وبالرغم من أن حكومة الأمويين أضحت في زمان الصادق (ع) في منتهى ضعفها وتفسّخها، إلاّ أنه رفض طلب شيعته للقيام ضد الحكومة، فلم يساند ثورة عمّه زيد بن علي وحذّر شيعته بالسعي وراء إسقاط الحكومة، كما رفض دعوة أبي مسلم الخراساني لتولي الخلافة. وقد اتخذ التقية منهجاً له تجاه حكام عصره وأوصى أصحابه بذلك أيضاً، وكان ذلك بسبب المضايقات السياسية التي واجهها من قبل الأمويين والعباسيين.
أسّس الإمام الصادق مؤسسة الوكالة لتواصل أكثر مع شيعته وللرّد على أسئلتهم وحلّ مشاكلهم، واتسعت بعده دائرة عمل هذه المؤسسة في عصر الأئمة الباقين، حيث بلغت ذروتها في عصر الغيبة الصغرى. وقد انتشر الغلاة في عصره فكان (ع) يعارض آرائهم ويؤكد أنّ مَن قبِل آرائهم كافر ومشرك.
ورد في بعض المصادر أن الخليفة العباسي آنذاك استدعى الإمام الصادق من المدينة إلى العراق فسافر إليه وسكن لفترات قصيرة في كربلاء والنجف والكوفة، كما كشف عن قبر أمير المؤمنين (ع) لأصحابه وكان قبره مخفياً قبل ذلك.
المشهور بین الشيعة أن الإمام الصادق قد سُمّ بأمر المنصور العباسي واستشهد على أثره، وورد في الروايات الشيعية أنه (ع) أخبر أصحابه بأنّ الإمام من بعده هو ولده الكاظم (ع)، إلاّ أنه ومن أجل الحفاظ عليه عيّن خمسة أشخاص ومنهم المنصور العباسي كوصي له. وبعد وفاته تشعبت الشيعة إلى عدة فرق، منها: الإسماعيلية والفطحية والناووسية.
ذكر حوالي 800 كتاب في الإمام الصادق (ع) أقدمها «أخبار الصادق مع أبي حنيفة» و«أخبار الصادق مع المنصور» لمحمد بن وهبان الدبيلي (ت.القرن الرابع). وأشهرها الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر وموسوعة الإمام الصادق لمحمد كاظم القزويني وموسوعة الإمام الصادق لباقر شريف القرشي.
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سادس أئمة أهل البيت. أمّه: السيدة (أم فروة) بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، كانت من سيدات النساء عفّة وشرفا وفضلا، فقد تربّت في بيت أبيها، وهو من الفضلاء في عصره، كما تلقّت الفقه والمعارف الإسلاميّة من زوجها الإمام محمد الباقر، وكانت على جانب كبير من الفضل، فقد كانت مرجعا للسيدات من نساء بلدها، وغيره في مهامّ اُمورهن الدينيّة، وكانت تعامَل في بيتها بإجلال واحترام من قِبل زوجها وباقي أفراد العائلة النبويّة.[1]
اختلف المؤرّخون في السنة التي وُلد فيها الإمام الصادق ،وهذه بعض الأقوال:
لقد أعلن الإمام الصادق للناس بدنوّ الأجل المحتوم منه، وأن لقاءه بربّه لقريب، وكان من بين من أخبرهم بذلك شهاب بن عبد ربّه، قال: «قال لي أبو عبد الله : كَيْفَ أَنْتَ إِذَا نَعَانِي إِلَيْكَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ؟
قَالَ: فَلَمْ أَعْرِفْ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ[14].
قَالَ: فَإِنِّي يَوْماً بِالْبَصْرَةِ إِذْ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ: يَا شِهَابُ، عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكَ.
قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ؟! قَالَ: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ، وَقُمْت».[15]
لقد كان الإمام الصادق شجا يعترض في حلق الطاغية الدوانيقي، فقد ضاق ذرعا منه لنصبه وعدائه لـ(أهل بيت العصمة) ، فقد حكى لصديقه وصاحب سرّه محمد بن عبد الله الاسكندري يقول: «دخلت على المنصور فرأيته مغتمّاً، فقلت له: ما هذه الفكرة؟
فقال - الدوانيقي - : يا محمد، لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة ويزيدون - وهؤلاء قد قتلهم نفسه – وبقي سيّدهم وإمامهم.
فقال محمد: من ذاك؟
فقال - الدوانيقي - : جعفر بن محمد الصادق.
فحاول محمد أن يصرفه عنه، فقال له: إنّه رجل أنحلته العبادة، واشتغل بالله عن طلب الملك والخلافة.
ولم يرتضِ المنصور مقالته فردّ عليه: يا محمد، قد علمت أنّك تقول به، وبإمامته، ولكن الملك عقيم».[16]
فأخذ يضيّق على الإمام ، وأحاط داره بالعيون وهم يسجّلون كل بادرة تصدر من الإمام ، ويرفعونها له، وقد حكى الإمام ما كان يعانيه من ضيق بقوله: «عزَّت السلامة، حتى لقد خفي مطلبها، فإن تكن في شئ فيوشك أن تكون في الخمول، فإن طُلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها».[17]
لقد صمم الدوانيقي على اغتيال الإمام غير حافل بالعار والنار، فدسّ إليه سمّاً فاتكاً على يد عامله على يثرب فسقاه به، ولمّا تناوله الإمامتقطّعت أمعاؤه، وأخذ يعاني الآلام القاسية، والأوجاع المؤلمة[18]، حتى عرج إلى جوار ربه شهيدا مظلوما مسموما في شهر شوال،[19] وقيل في النصف من رجب،[20] واختلف المؤرخون في سنة شهادته على اقوال منها:
وكان عمره عند شهادته (65)[23] أو (68)[24]عاماً على اختلاف الروايات.[25]
ذكر الرواة انه كان ربع القامة، أزهر الوجه، حالك الشعر،[26]جعد،[27]أشم الأنف، أنزع،[28] رقيق البشرة، على خدّه خال أسود،[29] وعلى جسده خيلان[30]حمرة.[31]
قال الشيخ المفيد واصفا هيبة الإمام الصادق : كانت تعنو الوجوه لهيبة الإمام الصادق ووقاره، فقد حاكى هيبة الأنبياء، وجلالة الأوصياء، وما رآه أحد الاّ هابه، لأنه كانت تعلوه روحانيّة الإمامة، وقداسة الأولياء، وكان ابن مسكان - وهو من خيار الشيعة وثقاتها - لا يدخل عليه شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله وتعظيمه، فكان يسمع ما يحتاج إليه من أمور دينه من أصحابه، ويأبى أن يدخل عليه.[32]
أخلاقه
1-دخل عليه المفضّل بن رمانة، وكان من ثقاة أصحابه ورواته، فشكا إليه ضعف حاله، وسأله الدعاء.
فقال