فروع الدين هو اصطلاح ديني بمعنى الأحكام العملية للإسلام، وهي تُطلَق في قبال أصول الدين. وقد اشتُهِر أنّ فروع الدين عشرة، وهي: الصلاة، الصوم، الزكاة، الخمس، الحج، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التولّي والتبرّي.
لا يوجد في كتب الشيعة مثل هذا التقسيم، ولعله تمّ اللجوء إليه في الكتب التعليمية كما قد ذكر البعض. وهذا التقسيم قد يرد عليه إشكالات، إلا أنّنا ذكرناه بناءً على كونه مما اشتهر على الألسن. أمّا اصطلاحاً عند الشيعة، فإنّ الفروع تشمل الفروع الفقهية من الطهارة والصلاة إلى الحدود والديّات.
ورد في كتب الروايات عن الرسول الأكرم تقسيم العلم إلى ثلاثة أقسام، فقد ذُكِر قوله : "إِنَّما العلمُ ثلاثة آيةٌ محكمة أو فريضةٌ عادلة أو سُنَّةٌ قائمة وما خلاهُنّ فهو فضل".[1][2]
بناء على هذه الرواية تمّ تقسيم العلم إلى:
إذا نظرنا إلى روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام، فإننا لن نجد ذكراً لفروع الدين بهذه الكيفية، بل حتى لم تُذكر أصول الدين كذلك. غير أننا نَجِدُ ذِكراً لدعائم الإسلام أو ما بُنِيَ عليه الإسلام؛ فقد ورد عن الإمام الصادق : بُنِي الاسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يُنادَ بشئٍ كما نُوديَ بالولاية.[5] وقد وردت أكثر من رواية بهذا المعنى، ولكننا لا نجد التقسيم المعاصر للأصول والفروع -أي الأصول إلى خمسة والفروع إلى عشرة- ينسجم مع ذلك.[6]
وقد ذهب بعضهم إلى تقسيم آخر للأصول والفروع، فقال: إذا كان لعقيدةٍ أو عملٍ دورٌ أساس مهمّ في بثّ القيم الإسلامية في المجتمع- بحيث إنّ الإسلام يفقد مفهومه الحقيقي بدون ذلك- فإنّ تلك العقيدة أو العمل هما من الأصول الأساسية لهذا النظام الربّانيّ، وإذا لم يكن لهما مِثلُ هذا الدَّور فهما من فروع الدين.[7]
وقد ذكر الشهيد الثاني تقسيماً للفروع، فقال: وهي على المشهور تنقسم على أربعة أقسام: عبادات ومعاملات، و إيقاعات وسياسات.[8]
وهناك أيضاً من المعاصرين من قسّم الأصول إلى أصول وفروع، فجعل في فروع الأصول ما نسمّيه أصول المذهب، وقسّم الفروع أيضاً إلى أصول وفروع وفروع للفروع، فقال: جديرٌ بالذكر: أنّ أصول الدين وأركانه وإن كان لها فروع كما تقدّم، إلا أنها هي الأخرى لها أصلٌ تنتهي إليه، وهو أصل التوحيد؛ فالتوحيد هو أصل الأصول، وأمّا غير ذلك من العقائد -من قبيل العصمة- فهي من فروع الأصول، والكلام هو الكلام في فروع الدين، فإنّ لها أصلاً ثابتاً وهو الصلاة، وما عداها من العبادات والمسائل الشرعية متفرّعةٌ عليها. فالصلاة هي الأصل العملاني الأول لما دونها من فروع، وأمّا الأمور العملانية الأخلاقية فإنها فروع فروع الدين، فتكون فروع الدين كالتالي:
وذكر الشيخ كاشف الغطاء بأنّ الدين هو علم وعمل؛ فأركان الإسلام هي التوحيد والنبوة والمعاد، والركن الرابع هو العمل بدعائم الإسلام وهي: الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد. ومن يعتقد بالأركان الثلاثة يكون مسلماً محقوناً دمه، دون أن يكون ذلك مختصّاً بالشيعة.[10] فنلاحظ أن هناك شبه تسالم على أن الفروع هي الجنبة العملية للإسلام.
اشتهر تقسيم فروع الدين إلى عشرة، وهي:
و التقسيم المتقدم لا يعني بأنها فقط هذه هي فروع الدين، بل لعلّه اشتُهر لكونها الأهم.
ولكنّ الحقيقة أنّ فروع الدين تشمل كل الأحكام العمليّة للإسلام، فتشمل العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية؛ بتعبير أكثر وضوحاً فإنها تشمل كل الأبواب الفقهية ابتداءً من الطهارة والصلاة إلى الحدود والقصاص والديات مروراً بالزواج والطلاق والمتاجر من بيع وصلح وهبة و.... هذا كلّه إذا كان نظرنا إلى فروع الدين كأحكام عملية في قبال العقائد.
ويمكن الملاحظة أنّ هذه الفروع منها ما يختصّ بعلاقة الإنسان بربّه كالطهارة والصلاة، ومنها ما يُنظّم علاقة الإنسان بالآخر. فنرى بذلك أنّ الإسلام يُعنى بالفرد والمجتمع لذا لم يُهمل أيّ طرفٍ منهما في سبيل تحقيق الهداية للناس أجمعين.
وكان أهل العامة يقولون فلان شافعي الفروع أو حنفي الفروع في إشارة منهم إلى أن فلان يتبع الشافعي أو أبا حنيفة في الفروع الفقهية. فلعل علماءنا، وتماشياً معهم، لجأوا إلى هذا التقسيم. و قال السيد شهاب الدين المرعشي: قد علم أن مبحث الإمامة عند الأشاعرة ليس من أصول الديانات والعقائد، بل هي عند الأشاعرة من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين.[11] وموضع الشاهد قي قوله النص بأن الفروع هي الأحكام العملية أي المتعلقة بأفعال المكلفين.
الفرق بين الأصول والفروع الضرورية، أنّ الذي لا يدين بأحد الأصول يكون خارجاً عن الإسلام، جاهلاً كان أم غير جاهل، أمّا الذي لا يدين بفرع ضروري، كالصلاة والزكاة، فإن كان ذلك مع العلم بصدوره عن الرسول ، فهو غير مسلم، لأنه إنكار للنبوة نفسها، وإن كان جاهلاً بصدوره عن الرسالة، كما لو نشأ في بيئة بعيدة عن الإسلام والمسلمين، فلا يضرّ ذلك بإسلامه إذا كان ملتزماً بكل ما جاء به الرسول ، ولو على سبيل الاجمال، فالتدين بالأصول أمرٌ لا بدّ منه للمسلم، ولا يعذر فيها الجاهل، أمّا إنكار الأحكام الفرعية الضرورية فضلاً عن الجهل بها، فلا يضر بإسلام المسلم إلا مع العلم بأنها من الدين. [12]
فقد ذكر الشيخ المفيد فرقاً بين الأصول والفروع، فقال: إن كان لشخص أو جماعة آراء شاذة قليلة في أمور من فروع الدين أو في جزئيات أصول الدين لا في أصلها بحيث لا يلزم إنكار ضروري الدين فهم ليسوا من أصحاب البدع، وإن كان لهم آراء مخالفة في فروع الدين أو أصوله في الأمور الضرورية، فهؤلاء من أصحاب البدع سواء صدق عليهم اسم فرقة من الفرق الموجودة، أو لا بأن اخترع مذهباً جديداً لا يصدق عليه شئ منها.[13]
وباختصار يُمكن القول أنّ هناك شبه إجماع بين العلماء -سواءً أمن أهل العامة كانوا أم من الشيعة- أنّ الذي ينكر أصول الدين يخرج عن الإسلام، أمّا الذي يخالف في الفروع فلا. والإختلاف في الفروع إنّما كان هو المنشأ لاختلاف المذاهب، بينما الخلاف حتى لو كان في أصل من أصول المذهب -كالإمامة عند الشيعة- فإنّ ذلك لا يخرج منكره عن الإسلام. ثم يمكن إضافة بعض الفروقات بين الأصول والفروع، وذلك تبعاً للمقصود منهما؛ فبناءً على كون المقصود من الأصول هي العقائد ومن الفروع الأحكام الفقهية، فإنه:
إنّ أصول الدين لأهميتها لا تثبت إلا بالعلم، والظن أو الظني إنما يعتبر حيث يعتبر في الفروع لا في الأصول.[14] وقد ذكر الشيخ السبحاني بعد نقله لحديث معلّقاً: إنه خبر واحد لا يفيد شيئاً في باب الأصول والعقائد، وإن كان مفيداً في باب الفروع والأحكام، إذ المطلوب في الفروع هو الفعل والعمل، وهو أمرٌ ميسور سواء أذعن العامل بكونه مطابقاً للواقع أو لا، بل يكفي قيام الحجة على لزوم تطبيق العمل عليه.[15]
خلاصة القول بأن الأصول بما أنها أمر مهم يقوم عليه اعتقاد الإنسان، فلا يكفي فيه الظن. أمّا الفروع بما أنها أمور عملية تحاكي عمل المكلف فيكفي فيها الظن. لذا فقد كان هذا ركن من أركان التفرقة بين الأصول والفروع.
ذكر صاحب العروة في المسألة الأولى من باب الإجتهاد والتقليد:
فنجد أن التقليد يكون في هذه الفروع الدينية إذا لم يكن الإنسان من أهل الاجتهاد أو الاحتياط- وهذا ما يصعب على الكثيرين-، وأكثر من ذلك فإن التقليد أمر عقلائي في الفروع الفقهية وفي غيرها من الأمور الحياتية وهي من باب رجوع العالم إلى الجاهل.
وقد ذكر العلماء عدة أمور لبيان التقليد في الفروع وعدم التقليد في الأصول؛ فقد قال الشيخ علي كاشف الغطاء: إن مسائل الأصول مطلوب فيها الاعتقاد فلا بد فيها من الاجتهاد بخلاف المسائل الفرعية مضافاً إلى ما ذكره صاحب القوانين (ره) من منع كون الإجتهاد في الأصول أصعب فإنها مبنيّة على قواعد عقلية وشواهد ذوقية ودلائل وجدانية يسهل إدراكها إجمالاً لكلّ من التفت إليها وليس المطلوب فيها إلا الدليل الإجمالي. مع أنّ مسائلها قليلة غاية القِلّة في جنب الفروع الفقهية، وأدلة الفروع جزئيات متشتّتة وأكثرها مبنيّة على مقدمات عقلية ومدلولات خفية محفوفة باختلافات واختلالات لا يرجى زوالها في كثير منها.[17]
وقد ذكر الشهيد الثاني (قده) في بيانه لماذا لا يكون هناك تقليد في الأصول؛ في أنّ المكلَّف إذا بلغ في أثناء النهار تجب عليه صلاة ذلك اليوم ولا تصحّ إلا بعد الإيمان. ومعلوم أنّه في هذا القدر من الزمان لا يتمكَّن أحد من الوصول إلى تعليمِ وتعلَّم علمٍ مدوّنِ كالمنطق مثلاً. فلو لم تكن الفطرة الإنسانية مع الهداية الشرعيّة الإلهيّة كافيةً في تحصيل أُصول الدين، لزم التكليف بما لا يطاق؛ ضرورةَ عدم جواز التقليد في الأُصول بالإتّفاق.[18]
كانت أمة محمد على مذهب واحد في الأحكام الشرعية حيث كان الجميع يأخذ معالم دينه عنه . ثم بعد شهادته كانت الأمة تأخذ معالم دينها عن الإمام علي حيث ذكر الصحابة ذلك بصريح عباراتهم. وبعد استشهاده كانت الأمة ترجع إلى الأئمة عليهم السلام من ولده حتى عصر المنصور العباسي حيث برزت المذاهب الأربعة وبدأ العمل بالقياس والإستحسان والإجتهاد. أمّا السبب في ذلك فمردّه لأمور سياسية؛ فكان للإمام الصادق مجلس يحضره حوالي أربعة آلاف شخص ينهلون من معين علمه ، فخاف المنصور العباسي على ملكه من اجتماع الناس حول الإمام فأمر أبي حنيفة ومالك -اللذين كانا ممن يحضر في مجلسه - باعتزاله وإحداث مذهب غير مذهبه . فاعتزل أبو حنيفة وأسّس مذهباً اعتمد فيه القياس والإستحسان و... ثم اعتزل مالك وأسّس مذهباً آخر أعمل فيه الرأي وهكذا. وفي النهاية استقرت مذاهبهم على أربعة وبقيت الشيعة على ما كان عليه رسول الله وأهل بيته عليهم السلام.[19]
وتبعاً لاعتماد أساليب مختلفة في الإستنباط حيث لجأ رؤساء تلك المذاهب إلى القياس والإستحسان[20]، فإنّ ذلك سيؤدي إلى أن يكون هناك اختلاف في الفروع الفقهية عن مذهب أهل البيت عليهم السلام.