الإمامة في الدين الإسلامي عبارة عن منصب إلهي بعد النبي محمد ، وقد يطلق عليها أيضا مفردة " الخلافة " و " الوصاية " ، ويعتبر مبحث الإمامة من أهم المباحث التي يمكن أن تطرح في الدراسات والمصنّفات الإسلامية ، ولعل هذا راجع إلى ملامستها لقضية حفظ وصون الدين بعد النبي الأكرم محمد ، وتعتبر أيضاً من أكثر المواضيع الحساسة والتي بسببها سفكت دماء الآلاف من المسلمين عبر التاريخ الإسلامي، وبالأخص دماء الشيعة وأتباع أهل البيت بسبب تمسكهم بإمامة أئمة أهل بيت النبي محمد ، ورفضهم إمامة لغيرهم .
وكذلك تعدّ الإمامة من أهم وأبرز المسائل التي وقع الخلاف فيها بين الشيعة و السنّة ، والخلاف حقيقة وقع بسبب تشخيص شخص الإمام أو الخليفة بعد رسول الله محمد ، وتعيين بعض الشروط التي يجب أن تتوفر في الإمام المختار .
فمنهم من قال : تختاره النّاس ، ومنهم من قال: يختاره وجهاء وسادة الأقوام ، ومنهم من قال: يُنَصَّبُ الإمام أو الخليفة ولو بالغلبة والسيف ، بمعنى أنّه متى ما خرج فرد على النّاس بالسيف ونصّب نفسه على النّاس بالقوة والغلبة فهو الإمام و الخليفة ويجب على الأمّة حينئذ طاعته ، واتفقوا أيضا على عدم شرطية العصمة في الإمام أو الخليفة ، فقالوا يمكن أن يرتكب الإمام المعصية بل حتى الكبيرة ، بل ذهب بعضهم إلى القول بأنّه مهما فعل الإمام أو الخليفة من معاصي وكبائر وظلم لا يضر ذلك بإمامته ويبقى وجوب طاعته قائم .
الإمامة مصدر ٌ، يفيد معنى التَّقَدُم على القوم، أي عندما يتقدم فرد على قومه بحيث يكون القائد والمرشد لهم، يسمى هذا التقدم والإرشاد بالإمامة، ويطلق على هذا الفرد المتقدم الإمام الذي هو اسم مصدر، والإمام لفظ يطلق على كل من ائتُمّ به قوم سواء كانوا على الصراط المستقيم أو في طريق الضلالة.[1]
وعليه فالإمامة في اللّغة العربية تفيد معنى الرئاسة والقيادة التي هي تَقَدُم القَومِ، والإمام هو كل من ائتُمّ به من رئيس وغيره، وجمعها أئمة كما أشار المولى تعالى في قوله: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْر﴾ ، وقيل أصلها " أَأْمِمَةٌ " على وزن أفْعِلة ، فأدغمت الميمين ونقلت حركت الميم الأولى لما قبلها ، وبعضهم قرأها " أَيمّة " فقلب الهمزة الثانية إلى ياء.[2]
وقع الخلاف في تعريف الإمامة بين المسلمين من جهة دائرتها تبعا لاختلافهم في شخص الإمام بعد النبي محمد، إلاّ أنّهم تقاربوا في معناها أو مفهومها بشكل عام :
لقد اختلفت المذاهب الإسلامية في تعيين وتشخيص الإمام أو الخليفة بعد رسول الله محمد اختلافا كبيرا ، فانقسموا الى ثلاثة فرق : الأولى : وهم الشيعة الذين حصروا الإمامة والخلافة بعد النبي محمد في أهل بيت الرسول الأكرم . الثانية : وهم أهل السنّة الذين ذهبوا في غالبيتهم الكبرى إلى القول بأنّ الخليفة أو الإمام بعد النبي محمد يكون من عموم النّاس الثالثة : هم أيضا من أهل السنّة ، وبالتحديد هم الخوارج الذين ذهبوا للقول بأنه لا يجب أن يكون هناك خليفة أو إمام بعد الرسول الأكرم محمد ، وان كانت هناك حاجة
هم يقولون بوجوب الإمامة، لكنهم لعدم تبنيهم الحسن والقبح العقليين واعتقادهم بعدم وجوب شيء علي الله، يرونها واجبا علي الناس ويقولون إن وجوبها نقلي وهو علي أساس الروايات ولا العقل. ويقول القاضي عضد الدين الإيجي بأنه: نصب الإمام واجب نقلا عند الأشاعرة [۴۴] وهذا الحكم هو بسبب أن الله جعله واجبا و ليس بسبب فهم عقولنا له.[7]
هؤلاء جعلوا الإمامة واجبة علي الناس. بعض من المعتزله، جعلوا وجوب الإمامة وجوبا عقليا والبعض الآخر جعلوه وجوبا نقليا. [8]
استعملت لفظة الإمام في كل فرد يؤتمُّ به ويصلح أن يكون مرجع يعود إليه النّاس في مايحتاجون، فأطلقت هذه اللّفظة على إمام الصلاة، والفقيه الذي ترجع له النّاس في أمور دينهم، والقائد السياسي الذي تعود له النّاس في ما يخص شؤونهم الدنيوية العامة.
ولكن المقصود بلفظة الإمام في هذا العنوان ، هو الفرد الذي ينوب رسول الله محمد في الأمور السياسية و الدينية ، وكما يطلق على هذا الفرد لفظة " الإمام " أي من تأتمّ به وتعود إليه النّاس في كل أمورهم السياسية و الدينية ، كذالك يسمى " بالخليفة " أي خليفة رسول الله ، أو " الوصي " لأنّه من أُوصِيت له مهمّة حفظ الدين و الولاية على النّاس ، أو " الحُجَّة " لأنّه حجّة الله على خلقه ، أو " الولي " بلحاظ امتلاكه الولاية العامة لرعاية الأمّة وصون الدين بعد الرسول الأكرم .
عند العودة إلى القرآن الكريم ومحاولة استقراء الآيات التي وردت فيها لفظة " الإمام " ، نجدأنها قد ذكرت في القرآن الكريم اثنى عشرة مرّة ، سبعة بصيغة المفرد وخمسة بصيغة الجمع .
وقد أشار بعض الشيعة إلى أنّ ورود لفظة " الإمام " في القرآن الكريم بهذا العدد ، قد تكون اشارة من المولى تعالى إلى أنّ الأئمة بعد النبي محمد هم اثنى عشر كما هو قول الشيعة ، وخاصة إذا سلّمنا بأنّ القائل هو الحكيم الخبير العليم .
موارد ذكر لفظة " الإمام " في القرآن الكريم :
صيغ المفرد :
صيغ الجمع :
أولا : أنّه ومع تتبع المراد من لفظة الإمام في الآيات المذكورة، سيُلحظ أنّها أطلقت وأريد أو قُصِد بها:
ثانيا : أنّه ومع ملاحظة المصاديق الخمسة التي قُصِدَت بلفظة " الإمام " في الآيات السابقة، سيلحظ أنّها تشترك كلّها في حيثية واحدة مهمّة وهي المرجعية، بمعنى أنّ المولى تعالى أطلق لفظة الإمام في القرآن الكريم على من يصلح أن يكون مرجع ترجع له النّاس بغض النظر عن كونه مرجعية صالحة أو فاسدة، إيجابية أم سلبية.
فالمولى تعالى استعمل لفظة الإمام في القيادة الصالحة التي يرجع لها المؤمنون ، وكذالك القيادة الكافرة التي يعود إليها الكافرون ، وأيضا استعملها في اللوح المحفوظ الذي تكتب فيه أعمال الناس ليعودوا إليها في يوم الحساب ، وكذالك في الكتاب (التوراة) التي يرجع لها بنو اسرائيل في نظم حياتهم الإجتماعية والفردية ، واستعملها أخيرا في الطريق والسبيل البيّن الذي يُفْتَرض بالنّاس العودة إليه بعد ومسيرهم في طُرُق الضلالة .
وعليه ، فالقرآن الكريم وبلحاظ أنّه قد استَعْمَل لفظة الإمام في المعاني التي تشتمل على حيثية المرجعية ، فلابد من أخذ هذه الحيثية في مفهوم الإمام ، الذي يُبْحث عنه في المقام ، فالإمام وحسب ما تشير إليه الآيات القرآنية هو كل ما يصلح أن يكون مرجعًا تَرْجَع إليه النّاس .
لقد ورد معنى لفظة الإمام في الروايات بألفاظ كثيرة جدّاً سواء في كتب الشيعة أو السنّة، منها " الإمام، والولي، والوصي، والخليفة، والحجّة "، منها:
نقل العلامة المجلسي في كتابه مرآة العقول حديثاً صحيحاً :
عن محمد بن يحي ، عن