التوحيد هو أهم الأصول الاعتقادية في الإسلام، ويشير إلى أن الله واحد، وليس له مثيل، وأنه لا شريك له في خلق العالم. فأول ما قاله النبي محمد (ص) في بداية دعوته للناس إلى الإسلام كان الشهادة على أحدية الله ونفي الشرك. وللتوحيد مكانة خاصة في القرآن الكريم وروايات أهل البيت (ع) فمضمون سورة الإخلاص أيضاً هو التوحيد.
في الثقافة الإسلامية عُدّ التوحيد ضد الشرك، واعتبر له الكلاميون مراتب عدّة، هي: التوحيد الذاتي، وهو الاعتقاد بوحدانية الله، والتوحيد الصفاتي، وهو الذي يدل على أن صفات الله وذاته أمر واحد، والتوحيد الأفعالي الذي يقصد به الاعتقاد بأن موجودات العالم مخلوقة لله تعالى وتابعة له وغير مستقلة عنه في فعلها، والتوحيد العبادي، أي أن لا أحد سوى الله يستحق أن يُعبد. وفي هذه المراتب الأربعة يعتبر التوحيد الذاتي اُولی المراتب، والتوحيد الأفعالي أعلى مراتب التوحيد.
في القرآن والروايات ومؤلفات الفلاسفة والمتكلمين نجد كثيرا من البراهين لإثبات التوحيد، منها: برهان التمانع وبرهان بعثة الأنبياء، وبرهان التعين.
يعتقد بعض أهل السنة من أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن باز، بأن الاعتقاد بالشفاعة والتوسل بالأنبياء والأولياء من مصاديق الشرك وفي مقابل الإيمان بالتوحيد العبادي. ولكن الشيعة استنادا للآيات القرآنية تنفي هذا الاتهام، حيث الشيعة لم يعتبروا النبي (ص) أربابا أو مالكا للكون، بل يقولون بأنهم عباد الله المقربون ويودون التقرب لله عن طريق النبي والأولياء.
أهتم علماء الشيعة في مؤلفات كثيرة بالتوحيد، بعض هذه الكتب اعتنت بالتوحيد مباشرة، منها: كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، الرسائل التوحيدية للعلامة الطباطبائي، والتوحيد لمرتضى المطهري.
التوحيد، هو الإيمان بالله ووحدانيته، وهو أهم الاعتقادات التي لها صلة بالدين[1]، يعتقد المسلمون _وبحسب القرآن_ أن العالم ليس له أكثر من خالق واحد، وأنه ليس لغير الله أي دور في إنشاء العالم وخلقه، ولن يكون لأي عامل نصيب في تحقق عالم الخلق.[2] بحسب الأحاديث المروية عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام، التوحيد هي الشهادة بمضمون عبارة "لا إله إلا الله وحده لا شريكه له" وما شابه هذه العبارة.[3]
استخدم مصطلح التوحيد للدلالة على البحوث الكلامية المتعلقة بوحدانية الله وصفاته وأفعاله أيضا. فأشار الإمام الصادق (ع) والإمام الرضا (ع) لبعض البحوث الكلامية كنفي الصفات الإنسانية عن الله عز وجل في الإجابة على سؤال طُرح حول معنى التوحيد.[4]
هناك ثلاثة مواقف مختلفة تجاه التوحيد في ثلاثة مناهج هي الكلامية والعرفانية والفلسفية؛ فالتوحيد الكلامي يُبنى على وحدانية الله، ويركز على الإيمان القائم على الاعتقاد العقلي بوجود إله واحد،[5] والتوحيد العرفاني، يصل إلى وحدانية الله من خلال الشهود.[6] التوحيد في الفلسفة يبحث عن وحدة واجب الوجود كمفهوم فلسفي، ولكن في العرفان لا يعتبر واجب الوجود مفهوما ومصطلحا بل هو مصداق التوحيد، أي الله الذي هو وجود واحد، وتستفيد منه سائر الكائنات.[7] وهكذا يحاول الفيلسوف أن يثبت توحيد واجب الوجود،[8] ولكن محاولة العارف هي الشهود والوصول الذاتي إلى التوحيد.[9] ورغم هذا تجمع الحكمة المتعالية _المنسوبة لملا صدرا الشيرازي_ بين القرآن والعرفان والبرهان، وبالمباحث الاستدلالية بُيّن الشهود العرفاني فيه.[10]
التوحيد هو أساس الإسلام،[11] وهو أهم المسائل العقائدية التي تصدّرت المفاهيم والتعاليم السماوية على الإطلاق.[12] بحسب القرآن الكريم، التوحيد هو رسالة جميع الأنبياء، ومن أجله أرسلوا.[13] رغم عدم ذكر كلمة "التوحيد" في القرآن الكريم، ولكن هناك آيات كثيرة حول إثبات التوحيد ونفي الشرك بالله تعالى، كما إنه ورد في السنة والروايات.[14] حيث ذكر ملا صدرا في تفسيره أن الهدف الأساس من نزول القرآن هو إثبات توحيد الله تعالى.[15] وقيل أن ثلث موضوعات القرآن تدور حول التوحيد وجاءات عصارتها في سورة الأخلاص.[16]
شهادة أن لا إله إلا الله والابتعاد عن الشرك، هي أول التصريحات التي أدلى بها الرسول الأكرم (ص) في بداية دعوته العلنية مخطابا أهل مكة.[17] مبعوثو الرسول ومنهم معاذ بن جبل الذين أُرسلوا لتبليغ الإسلام إلى مناطق شتى، كانوا دائما يدعون الناس لقبول وحدانية الله.[18] بعض العلماء سمّوا المسلمين "أهل التوحيد" بسبب مكانة التوحيد في الإسلام،[19] واعتبروا التوحيد علامة المسلم.[20] والإمام علي (ع) اعتبر الاعتقاد بالتوحيد أساس معرفة الله تعالى.[21]
أكد القرآن الكريم على التوحيد ووحدانية الله بكلمات مختلفة مرارا وتكرارا؛[22] منها في سورة الإخلاص التي اعتبرت الله "أحدا".[23] وهي تصف التوحيد بشكل جامع لا يحتاج إلى إية إضافة[24] نفي سائر الآلهة، ووحدانية الله، وإله واحد للجميع، وإله كل العالم، وذم من يؤمن بآلهة شتى، ورد إدعاءات أصحاب التثليث، ونفي أي شبيه لله من المفاهيم المتعلقة بالتوحيد التي ذُكرت في القرآن الكريم.[25] ومن الآيات التي أشارت إلى التوحيد بشكل مباشرة، هي:
عدّ كثير من المتكلمين والعرفاء والفلاسفة المسلمين استنادا إلى القرآن الكريم وروايات الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته عليهم السلام، مراتب ودرجات للتوحيد، حيث يكون التوحيد الذاتي أول مراتب التوحيد ليليه التوحيد الصفاتي وثم التوحيد الأفعالي، ويعتبر التوحيد العبادي أعلى مراتب التوحيد.[31]
القرآن الكريم صنف التوحيد ضد الشرك، ومكافحة الشرك هو أحد أهم الموضوعات في القرآن الكريم.[32] المسلمون كما يعتقدون بمراتب ودرجات للتوحيد عدّوا مراتب للشرك أيضا.[33] وعلى هذا فأي اعتقاد بتعدد ذات الله يعتبر شركا في الذات،[34] والاعتقاد بأن للعالم أكثر من فاعل مستقل واحد، شرك في الفعل أو شرك في الفاعلية.[35] وأيضا الاعتقاد بالفصل بين صفات الله وذاته هو شرك صفاتي.[36] وعبادة أي إله دون الله الواحد هو شرك في العبادة.[37]
التوحيد الذاتي هو أول مرتبة من مراتب التوحيد[38] وأحد معانيه هو الاعتقاد بوحدانية الله، وكونه لا ميثل له. الآية الرابعة من سورة الإخلاص _ولم يكن له كفوا أحد_ تدل على هذا المعنى.[39] من معاني التوحيد الذاتي هو أن الله واحد، لا ثاني له ولا شريك له ولا مثيل؛[40] وهذا ما تؤكد عليه الآية الأولى من سورة الإخلاص.[41]
أن المراد من التوحيد الصفاتي هو أن جميع صفات الله هي عين ذاته، لا كالإنسان وسائر الكائنات حيث تكون زائدة على الذات.[42] فليس المعنى من "إن الله عالم" هو أن العلم أضيف إلى ذاته، بل أن الله هو العلم؛ على عكس الإنسان حيث تضاف له هذه الصفات _كالعلم والقوة_ تدريجيا. صفات الله إضافة إلى أنها لا تتجزأ عن ذات الله، بل لا تتجزأ إحداها عن الأخرى، أي علم الله هو قوة الله، ووجود الله هو علمه وقوته وسائر صفاته.[43] وهذا التعريف عن التوحيد الصفاتي هو خاص بالشيعة الإمامية ويختلف عما تعرفه سائر المذاهب.[44]
نزه القرآن الكريم الله، من أن تُنسب له صفات.[45] نقل أبو بصير عن الإمام الصادق (ع) قولا يثبت من خلاله بأن علم الله وسمعه وبصره وقوته هي ذات الله، فالله سامع قبل أن يكون شيء للسمع، وإنه بصير قبل أن يكون ما يُبصر.[46]
التوحيد الأفعالي أو التوحيد في الأفعال فهو أن الله لا يحتاج إلى معين ومساعدة في القيام بالأفعال، بل إنه ينجز الأفعال بنفسه ولوحده.[47] ومن متطلبات الاعتقاد بالتوحيد الإفعالي هو الاعتقاد بأن العالم كله من صنع الله، والله هو منشأ جميع أعمال العباد والمخلوقات.[48] في هذا الصدد يقول القرآن الكريم: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾[49]
بحسب رواية من الإمام الصادق (ع)، إن الله هو الوحيد الذي خلق الأشياء من العدم، وهو الوحيد الذي يستطيع أن ينقل الكائنات من الوجود إلى العدم.[50]
المراد من التوحيد العبادي هو حصر العبادة بالله سبحانه وتعالى، فلا يستحق سوى الله أن يُعبد، ولا معبود سوى الله.[51] بحسب القرآن، أهم برنامج جميع الرسل والأنبياء هو الدعوة لعبادة الله تعالى، كما ويصف القرآن التوحيد في العبادة الأصل المشترك بين جميع الشرائع السماوية.[52]
هناك عدد من الآيات تدل على التوحيد العبادي، منها ما ذكر في سورة النحل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾.[53] وفي آية أخرى من سورة غافر، يؤكد القرآن على أن الرسول اُمر بأن ينهى الناس عن عبادة غير الله: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[54]
نقل عن الرسول الأكرم أنه خاطب المشركين سائلا: أخبروني عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم له أو صليتم ووضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود بها فما الذي بقيتم لرب العالمين؟[55] ويصرح رسول الله في حديثه بأن من حق المعبود هو أن لا يساوي عبيده.[56]
ذُكرت في القرآن الكريم، وفي بعض الروايات، وعند الفلاسفة والمتكلمين الإسلاميين، أدلة لإثبات توحيد الله تعالى، منها:
إضافة إلى ما ذُكر، ففي الفلسفة والكلام الإسلامي هناك براهين أخرى أيضا، كبرهان التعين، وبرهان امتناع الكثرة، وبرهان المقدورات، وبرهان بعثة الأنبياء.[61] صرح الإمام علي (ع) في وصيته إلى الإمام الحسن (ع) بإحدى أدلة إثبات وحدانية الله، فيقول: لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأَتَتْكَ رُسُلُه، ولَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِه وسُلْطَانِه، ولَعَرَفْتَ أَفْعَالَه وصِفَاتِه، ولَكِنَّه إِلَه وَاحِدٌ.[62] يشير المتكلمون المسلمون إلى هذا البرهان تحت مسمى برهان بعثة الأنبياء.[63]
اعتبرت الوهابية بعض عقائد الشيعة مصداقا للشرك في العبادة والربوبية، منها: الشفاعة، والتوسل بالأنبياء والأولياء، والتبرك بقبور الأنبياء والأولياء.[64] ولكن الشيعة لقد رفضوا هذه التهم، فبرأيهم من يعتقد بهذه الأمور من المسلمين لا ينوون عبادة الأنبياء والأولياء، وهم لا يعتبرونهم آلهة، بل يودون تكريم الأنبياء والأولياء ويتقربون إلى الله من خلالهم.[65]
بحسب ابن تیمیة، من دعا علي بن أبي طالب، فقد کفر، ومن شک في کفره، فقد کفر.[66] وكل من يذهب إلى قبر الرسول (ص) أو أحد الصلحاء ويستنجد بهم فهو مشرك، ويجب أن يجبر على التوبة وإن لم يتب فيجب أن يُقتل.[67] عبد العزيز بن باز، مفتي الوهابية، أيضا اعتبر الدعاء والاستغاثة عند القبور وطلب الشفاء والنصر على الأعداء، من أبراز مصاديق الشرك الأكبر.[68]
من جهتهم اعتمد الشيعة على الآيات القرآنية، واثبتوا بأن الشفاعة المرفوضة هي التي تكون مستقلة عن الله ودون إذنه عز وجل، لأنها ستكون شركا في ربوبية الله وتدبيره، ولكن الشفاعة التي تتم بإذنه عز وجل فهي ثابتة من خلال الآيات القرآنية[69]﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾[70] فعلماء الشيعة ردوا على ادعاءات الوهابية بآيات من القرآن الكريم التي ترفض طلب الشفاعة من الأصنام، واعتبروا طلب الشفاعة من الرسول تختلف اختلافا جذريا عن طلب الشفاعة من الأصنام، حيث المسلمون لا يعتقدون بربوبية الرسول، على عكس تصريح القرآن باعتقاد عبدة الأصنام.[71]
كتب بعض المتكلمين والمحدثين المسلمين، وخاصة الشيعة منهم، كتبا مستقلة حول التوحيد، وأحيانا تطرقوا للتوحيد ضمن عقائد الشيعة. بعض المصادر تشير إلى 22 كتابا مهما خاصا بالتوحيد عند الشيعة.[72] منها: