هج البلاغة؛ هو مجموعة مختارة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ورسائله، التي جمعها السيد الرضي أواخر القرن الهجري الرابع (فرغ من تدوينها سنة 400 هـ).
وكان هدف الرّضي من تأليف الكتاب اختيار مجموعة من الخطب التي يتجسّد فيها الكلام الأدبي البليغ وملاحظة عنصر الفصاحة والبلاغة.
وقد تجسّدت البلاغة في هذا الكتاب إلى الحدّ الذي جعل السيد الرضي يتباهى، ويفتخر بإنجازه هذا، رغم كونه أديباً وشاعراً قديراً قدّم تراثاً جماً يكفيه فخراً ورفعة؛ لذلك تراه يكتب في مقدمته على كتاب نهج البلاغة السبب لتأليفه هذا الكتاب قائلاً:
"فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذكر ومذخور الأجر واعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أمير المؤمنين (ع) في هذه الفضيلة مضافة إلى المحاسن الدثرة والفضائل الجمّة وأنّه انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد فأمّا كلامه (ع) فهو البحر الذي لا يساجل والجمّ الذي لا يحافل".
لقد أثّرت بلاغة الإمام علي (ع) على الكثير من أكابر الأدباء العرب كـالجاحظ، وعبد الحميد، وابن نباتة. وكان الجاحظ قد جمع مائة كلمة قصيرة من كلام الإمام أمير المؤمنين (ع) قبل أن يجمع السيد الرضي نهج البلاغة، وعمد إلى شرح هذه الباقة من الكلمات باحثون كبار كـرشيد الوطواط، وابن ميثم البحراني. وذكر الجاحظ كذلك عدّة خطب من خطب أمير المؤمنين (ع) في كتابه «البيان والتبيان». ولم تخل آثار أكابر الأدب الفارسي من التأثر بكلام أمير المؤمنين (ع).
يمثّل كتاب نهج البلاغة دائرة معارف من الثقافة الإسلامية تتضمن معارف مختلفة من قبيل: معرفة الله تعالى وعالم الملائكة، وطبيعة نشوء العالم، وطبيعة الإنسان، والأمم والحكومات الصالحة أو الفاسدة. لكنّ الملاحظة المهمة فيما يمكن الحديث عنه حول هذه الخطب هو أنّ الإمام لم يكن بصدد تدريس العلوم الطبيعيّة أو التعرّف على عالم الحيوان أو تفهيم الملاحظات الفلسفية أو التأريخية، وإنّما سار عليه السلام في طرحه لهذه المواضيع على الطريقة التي استعملها القرآن الكريم في بيانه لهكذا أمور وذلك بلغة الموعظة حيث جعل أمام المستمع نموذجاً واضحاً يمكن إدراكه عن كل ظاهرة محسوسة أو معقولة، ثم أخذ الشخص رويداً رويداً إلى ما يرنوا إليه وما ينبغي بلوغه، وهو عتبة الله تعالى وبابه جلّ اسمه.[1]
ويدعو الإمام من خلال هذه الخطب الناس إلى الانقياد لأمر الله واجتناب ما حرّم. وكتب (ع) إلى عمّاله بضرورة رعاية حقوق الناس. فيما كانت الحكم القصيرة في نهج البلاغة، مجموعة كلام حكيم مفعم بالمواعظ، ومقال تمّ بيانه بلغة أدبيّة مثّلت الذروة في المجال الأدبيّ.
وقد ترجم الكتاب إلى لغات مختلفة، وقدّم له علماء الشيعة و السنّة شروحاً كثيرة.