روي أن سورة النصر نزلت على رسول الله (ص) في السنة العاشرة.... فعرف أنّه الوداع، وأنّها تؤشر إلى قرب أجله،[1] وحينها قصد الحج في ذلك العام الذي عرف بحجة الوداع لوقوعه في السنة الأخيرة من حياته الشريفة.[2] فلما بلغ المسلمين الخبرُ قررت جموع غفيرة منهم أداء مناسك الحج معه (ص).[3] فخرج معه ذلك العام جمع غفير قاصدين التشرف بالحج،[4] وذلك في الخامس عشر من ذي القعدة متوجهين إلى مكة المكرمة.[5]
وكان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد خرج في رمضان من نفس السنة بأمر من الرسول (ص) لقتال المشركين في مذحج من بلاد اليمن.[6] وبعد أن فتح الله على يديه كرّ راجعاً وبأمر من النبي الأكرم (ص) التحق بركب الحجيج في مكة.[7]
وقد خطب صلى الله عليه وآله المسلمين في يوم عرفة خطبة بيّن لهم فيها الكثير من الأمور المهمة منها:
وبعد أن أتم خطبته، وانتهى (ص) من نسكه، رجع إلى المدينة ومعه المسلمون، حتى انتهى إلى الموضع المعروف (بغدير خم)[9] الذي يقع بين مكة والمدينة، وبينه وبين الجحفة ميلان (خمس كيلو مترات) وكان قريباً من الجحفة بناحية رابغ على مفترق طرق، وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة.[10]
ولما بلغت جموع الحجيج العائدة ذلك المكان نزل أمين الوحي بالآية السابعة والستين من سورة المائدة ﴿يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرينَ﴾[11] ونزل قوله تعالى من نفس السورة ﴿الْيوْمَ يئِسَ الَّذينَ كفَرُوا مِنْ دينِكمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكمُ الإِسْلامَ ديناً﴾،[12] وأمر النبي (ص) بتنصيب علي (عليه السلام) خليفة للمسلمين والإعلان عن ولايته.[13]
وكان من سبق السير من المسلمين قد بلغ أرضاً تقرب من الجحفة، فأمر رسول الله (ص) أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ثم نادى بالصلاة جامعة، فصلّى (ص) بالناس، وكان يوماً شديد الحرارة، فلما انصرف من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل، وأسمع الجميع رافعاً عقيرته قائلاً:
أيّها الناس، قد نبأني اللطيف الخبير أنّه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلاّ وقد كان عمّره الله ثم دعاه فأجابه، وإنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيراً. فقال: اللهم اشهد.
ثم قال: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.[14] ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) قائلاً: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.[15]اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.[16] فقام حسّان شاعر النبي (ص) وقال: ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهن. فقال: قل على بركة الله. فقال:
|
||
يناديهم يــــــــــــــوم الغدير نبيّهم | بخـــــــم فأسمع بالرسولِ مناديا | |
وقد جاءه جبريل عن أمر ربّه | بأنّك معـــــــصوم فـــــــلا تك وانيا | |
وبلّغهم ما أنــــزل الله ربّـــــــــــــهم | إليك ولا تخشى هناك الأعاديا[17] |
ثمّ طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين(ع) بالإمرة، وممّن هنّأه في مقدّمة الصحابة: الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، قائلا: بخ بخ لك يابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.[18]
روي مضمون الخطبة طوال القرون المتمادية بصور مختلفة، وفي الكثير من المصادر الحديثية والتاريخية لعموم المسلمين تشترك جمعيها بالتأكيد على الإعلان عن ولاية علي بن أبي طالب (ع) كولي للمؤمنين بعد الرسول (ص).[بحاجة لمصدر]
ذكر العلامة الأميني في موسوعة الغدير أن الحديث: رواه أحمد بن حنبل من خلال أربعين طريقاً، ومحمد بن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً، والجزري المقري من خلال ثمانين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمس طريقا، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، وأبو بكر الجعابي من خلال مائة وخمس وعشرين طريقاً.[19]والحافظ أبو العلاء العطار الهمداني من خلال 250 طريقاً.[20]
وقد أقرّ الكثير من أعلام العامّة ومحدثيهم بكثرة أسانيد الحديث وأن الكثير من رواياته من الصحاح والحسان.[21] ومن بين رواة الحديث تسعون صحابياً و84 تابعياً. وقد روي متن الخطبة بثلاث طرق في كل من: روضة الواعظين، الاحتجاج، اليقين، نزهة الكرام، الإقبال، العدد القوية، التحصين، الصراط المستقيم ونهج الإيمان.[22] وعن حذيفة بن اليمان[23] عن الإمام الباقر( ع) وعن زيد بن أرقم.[24]
يضاف إلى الرواة المباشرين للحديث، الكثير من الرواة الذين نقلوا الحديث بالواسطة منهم:
رويت الخطبة باختلافات يسيرة في مصادر الفريقين الشيعة والسنة. ذكر الأميني في كتابه الغدير أنّه روى الخطبة 110 من الصحابة و84 من التابعين و360 من علماء أهل السنة من القرن الثاني وحتى القرن الرابع عشر.[37] من أبرز الصحابة والتابعين وغيرهم الذي نقلوا الحديث: