محمد بن عبد الله بن عبد المُطّلِب بن هاشم، (عام الفيل - 11 هـ) نبي الإسلام، خاتم النبيين وأحد الأنبياء أولي العزم. ولد في مكة عام الفيل (570 م.)، وتوفي في المدينة المنورة سنة 11 هـ (632 م.). يُعدّ القرآن الكريم معجزته التي تحدّى بها الأمم والشعوب، مركّزاً دعوته على التوحيد ومكارم الأخلاق وتنظيم حياة الإنسان، ويذكر التاريخ بأنه ظهر كحاكم مقنّن ومُصلح اجتماعي وقائد عسكريّ في الوقت نفسه.
كانت ولادته في مجتمعٍ اتّسم بـالشرك وعبادة الأصنام، ولكنه لم يعبد صنماً قط، ولم يشرك بـالله شيئا، وقد بعثه الله وهو في الأربعين من عمره.
واجه مع أصحابه أقسى أنواع التعذيب والتنكيل والتهجير والنهب و... وحينما بلغ عمر الدعوة الإسلامية ثلاثة عشر عاماً هاجر من مكة إلى يثرب -والتي سمّيت بـمدينة النبي لاحقاً- فكانت هجرته هذه منطلقاً لتاريخ جديد وانعطافة كبرى في حياة الرسالة الإسلامية، حيث انتقل الصراع بعدها ما بين المشركين والمؤمنين إلى المواجهة العسكرية والصدامات المسلحة التي انتهت بانتصار معسكر الإسلام .
الجهود الحثيثة التي بذلها رسول الله بمؤازرة أصحابه من المهاجرين والأنصار كان لها الأثر الكبير في تحويل المجتمع الجاهلي إلى مجتمع توحيدي.
لم يكن النبي الأكرم ذا أثر في المجتمع الذي عاصره وحسب، بل ترك حيّزاً كبيراً في المجتمعات الأخرى وعلى مرّ العصور أيضاً، كما وقد أكّد مراراً على كون الإمام علي خليفته بعد رحيله مباشرة، لكي لا تتوقف المسيرة التي ابتدأت بـبَعثه.
هو مُـحـمّـد بـن عـبـدالله بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصَيّ بن كلاب بن مُرّة بن كَعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهر (قريش) بن مالك بن نَضر بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن الياس بن مضر بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان.
أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. ولمّا بلغ السادسة وثلاثة أشهر من عمره وقيل الرابعة من عمره، رافق أمّه آمنة في سفرة إلى يثرب (المدينة) لزيارة أخواله من بني عدي بن النجار، وفي مسير عودتهم إلی مكة توفيت آمنة في منزل الأبواء ودفنت هناك.
وقد أجمعت الشيعة -كما ذكر ذلك العلامة المجلسي- على إيمان عمه أبي طالب وأمّه آمنة وأبيه عبد الله وأجداد الرسول إلى آدم.[1] يكنّى بـأبي القاسم وأبي إبراهيم.[2] ومن ألقابه: الحليم، والمختار، والأمين، و الميمون، وأحمد، وحبيب الله، وصفي الله، ونعمة الله، وعبد الله، وخيرة الله، وخلق الله، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين.[3]
[أظهر]شجرة النبي محمد |
---|
بُعث محمد في الأربعين من عمره للرسالة،[4] وكان النبي يمتلك فطرة طاهرة منذ أيام عمره الأولى وكانت الفئات الحاكمة في مكة حينها ملتهية بعبادة الأصنام، مما جعله يميل إلى العزلة والاعتكاف والعبادة في جبال مكة، وكانت عبادته تمتد على مدى شهر، ومن ثم يرجع (ص) إلى مكة. وكما ورد أن إسرافيل وكّل به ثلاث سنين وجبرائيل عشرين سنة[5] وذلك قبل البعثة هيّأت له الأرضية المناسبة لتلقي الوحي.
كان متواصل الأحزان، دائم الفكر ليس له راحة، طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم فصلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم عنده النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئاً غير أنه كان لا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضيه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، إذا أشار أشار بكفه كلّها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وانشاح، وإذا غضب غض طرفه جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام.
لم تذكر لنا المصادر التاريخية السنة التي ولد فيها النبي الأكرم بالتحديد، غير أنّ ابن هشام وغيره من المؤرخين ذكروا أنّ ولادته كانت في العام الذي هجم فيه أبرهة الحبشي على الكعبة والمعروف بـعام الفيل. ولكن هذا التحديد العام لا ينفع إلاّ من عاصروا الحادثة وعاشوها وعرفوا زمانها بالتحديد، وعليه لا يمكن تحديد تاريخ دقيق لولادته ، وإن كان المستفاد من ضم تاريخ وفاته 632 م ـ حسب المصادر التاريخية ـ إلى الثلاث والستين سنة التي عاشها، فيكون حاصل طرح الرقم الثاني من الأول 570 أو 569 ميلادية.[6]
والمشهور بين الشيعة أنّ ولادته كانت في السابع عشر من ربيع الأوّل فيما ذهب مشهور أهل السنة إلى القول بأنّ ولادته كانت في الثاني عشر من ربيع الأول.[7]
هناك الكثير من المصادر التاريخية التي تطرقت إلى فترة طفولة النبي. لكن لم يتحدث القرآن الكريم عن طفولته إلاّ بالنزر اليسير التي من ضمنها إشارته إلى حالة اليتم التي عاشها.[8]
لمّا شبَّ عبد الله، زوّجه والدُه عبد المطلب بـآمنة بنت وهب من بني زهرة، ولم تمض إلاّ مدة يسيرة حتى حملت آمنة بسيّد البريّة النبي محمد . وبعد فترة سافر عبد الله في رحلة تجارية إلى الشام. فلما بلغ مدينة يثرب توفاه الله تعالى، فولد النبي يتيماً. ومنهم من ذهب إلى القول بأنه ولد إبّان حياة أبية.
وحيث كان من عادة المكيين أن يطلبوا لأبنائهم مراضع من أهل البادية فقد اتخذ جدّه عبد المطلب - الذي تكفل بالنبي بعد وفاة أبيه - امرأة عربية لتكون مرضعةً ومربيةً له. تلك هي حليمة السعدية. ودرج الطفل في أحضان بني سعد فترة. ولما بلغ السادسة من عمره، رافق أمه آمنة في سفرها إلى المدينة، وحينما قفلوا راجعين توفيت آمنة في منزل الأبواء تاركة ابنها الوحيد يتيم الأبوين.
ولما بلغ الثامنة توفّي عبد المطلب جدّ النبي وكفيله، وترك كفالة محمد إلى عمّه أبي طالب.[9] فكان أبو طالب بمثابة والدٍ حنون يرى في رعاية ابن أخيه إطاعةً لأمر أبيه عبد المطلب، وعملاً بوظيفته الإنسانية، تساعده في ذلك تلك المرأة الجليلة فاطمة بنت أسد التي قال يوم وفاتها: «اليوم ماتت أمِّي، تجيع أولادها وتطعمني وتشعثهم وتدهنني، وما أحسست باليتم منذ أن التجأت إليها. وشهد جنازتها فصلَّى عليها وكفَّنها قميصه ليدرأ عنها هوامَّ القبر، ونزل في قبرها لتأمن ضغطته».[10]
رحلته الأولى إلى الشام
ذكر المؤرخون أنّه سافر مع عمّه أبي طالب حينما كان صغيراً وبالقرب من مدينة بصرى القديمة، وكانت تقوم صومعة يسكن فيها عابدٌ مسيحيّ اسمه بُحيرا وحينما وصلت قريش إلى رحاب الصومعة، قال بحيرا لعمّه أبي طالب: «إنه كائن لابن أخيك هذا شأنٌ عظيمٌ، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، هذا سيّدُ العالمين، هذا رسولُ رب العالمين، يبعثه رحمة للعالمين. إحذر عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله».
روي أنّ بحيرا الراهب قال للنبي: «يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلاّ أخبرتني عما اسألك، فقال رسول الله: لا تسألنِي باللات والعُزّى فوالله ما ابغضتُ شيئاً بغضهُما».[11]
من الحوادث التاريخية المهمة التي عاصرها النبي الأكرم قبل زواجه وعاش أحداثها هي مشاركته في حلف يسمى بـحلف الفضول حيث كان عمره الشريف آنذاك عشرين سنة، فقد اجتمع بنو هاشم،